يوميات مصاب بوهم أنفلونزا الخنازير

اليوم الأول:
بعد عناء يوم لم يكن بالقصير ..لا لأن ساعاته كانت أطول من الأيام الأخرى ولكن للدقائق العصيبة التي مرت عليه خلاله ،ولذا فهو ينتظر بفارغ الصبر دقات الجرس معلنة انتهاء الحصة وانصراف الصغار الذين أنيطت به مسؤولية تربيتهم وتعليمهم...وأخيرا على غير عادته يسرع الخطى الواهنة تحت ضربات الرأس الموجعة وحرارة شهر شتنبر المخيفة بتقلباتها التي توحي له بأن الشك الذي دب إلى نفسه ربما يكون يقينا ،خصوصا مع الإعلانات المتكررة على شاشات الفضائيات أينما قلب موجاتها والبرامج الصحية التي أصبحت تغذي هذا الاتجاه ناهيك عن عناوين الأخبار التي تعج بالإصابات هنا وهناك ...كل هذه العوامل دفعته إلى الاعتقاد الراسخ بأنه مصاب بأنفلونزا الخنازير... (يتبع)

----------------------------------------

اليوم الثاني

قلب راحتيه على جبينه وخديه وهو يدلف خارج الباب يجر رجليه صوب مقر العمل وهو يقول : ربما أكون مصابا ، حرارتي غير عادية ..أنفي يسيل ورأسي ثقيل ..لا لا..لا يمكن أن أعمل اليوم ، لابد أن آخذ رخصة مرض ... لكن الرخصة تحتاج زيارة طبيب والطبيب قد يأمر بحجزي...لا ..لا ..لا ، لن أتغيب لا يمكن أن أتصور نفسي محتجزا .. قد أصاب باختناق في المستشفى وأنا في الحجر الصحي !! لا بد أن أقاوم هذا الكابوس كابوس أنفلونزا الخنازير...

وصل وجهته وعيون زملائه ترمقه :- مابك يا عامر ؟ صاح فيه راتب الكثير المرح والحاضر الفكاهة ...

-لعله مصاب بأنفلونزا الخنازير -أضاف راتب الكثير التهكم عليه- لعله مر بالقرب من حظيرتهم يتابع وهو ينفجر ضاحكا...

أطرق برأسه مرهف السمع لضربات فؤوس كلامهم فوق رأسه ثم انفجر باكيا وهو يولي وجهته تجاه قاعته تحت ذهول زملائه الذين لم يتصوروا هذا الشامخ الذي لا تهزه المصائب يخر تحت وطأة هزلهم الذي طالما قابله باستهزاء أشد ... (يتبع)

************************************************

اليوم الثالث

توجه عامر توا إلى قاعته وهو يسرع الخطى متجاهلا كل من كان أمامه من الزملاء والأعوان والتلاميذ في الطابور...خطواته تكاد تسبق أنفاسه..وإذا به يسمع عند ناصية البناية محاولا اللف :

- أستاذ عامر ..أستاذ عامر.....

التفت جانبا مقطب الحاجبين يكاد عبوسه يغلق حدقتيه.. إنه الحارس حسن.

-نعم حسن ..ماذا هناك؟

-خيرا إن شاء الله ...إنه المدير يريدك حالا.

يا رب..ماالذي حدث هل أحس بمصيبتي ؟!!..هل ساوره الشك ؟؟!

رجع وئيد الخطى متثاقلا تكاد أنفاسه المتلاهثة تخنقه وقال:

-نعم أستاذ ماذا هناك؟!!

-أهلا بك يا عامر ، هل أزعجك أحد يا هذا مالك تتحاشى لقاءنا؟!!

-لا شيء ياأستاذ..لا شيء ..كل ماهنالك أنني مشغول...

-ستزورنا لجنة طبية اليوم ..

-ماذا ؟!!!لجنة طبية هل هناك ما يدعو لذلك؟!!

تجاهل المدير سؤاله وتابع:

-وبما أن صفك به تغيبات كثيرة لعدد من التلاميذ فقد ارتأينا أن نبدأ به، تفضل هذه اللائحة واملأها بأسماء تلاميذك..تفضل

سحب الورقة من يد المدير ورجع توا مصفرالوجه والدوران في رأسه يكاد يسقطه من طوله....

(يتبع)